أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، أن المملكـة لا تريد حرباً فـي المنطقـة، لكنه شدد على أنها «لن تتردد فـي التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيويـة».
وقال ولي العهد السعودي فـي حوار مع صحيفـة «الشرق الأوسط»، إن المملكـة «أيدت إعادة فرض العقوبات الأميركيـة على إيران، إيماناً منا بضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً حازماً تجاه إيران»، معرباً عـن أمله «في أن يختار النظام الإيراني أن يكون دولـة طبيعيـة وأن يتوقف عـن نهجه العدائي».
وأشار إلى أن الاعتداءات على ناقلات النفط فـي الخليج واستهداف منشآت نفطيـة فـي المملكـة ومطار أبها «تؤكد أهميـة مطالبنا مـن المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم أمام نظام توسعي يدعم الإرهاب وينشر القتل والدمار على مر العقود الماضيـة، ليس فـي المنطقـة فحسب بل فـي العالم أجمع»، منتقداً توظيف طهران العوائد الاقتصاديـة للاتفاق النووي فـي «دعم أعمالها العدائيـة فـي المنطقـة ودعم آلـة الفوضى والدمار».
وفي حين شدد على أن «يد المملكـة دائماً ممدودة للسلام بما يحقق أمن المنطقـة واستقرارها»، لفت إلى أن «النظام الإيراني لم يحترم وجود رئيس الوزراء الياباني ضيفاً فـي إيران وقاموا أثناء وجوده بالرد عملياً على جهوده، وذلك بالهجوم على ناقلتين إحداهما عائدة لليابان، كما قاموا عبر ميليشياتهم بالهجوم الآثم على مطار أبها، ما يدل بشكل واضح على نهج النظام الإيراني ونواياه التي تستهدف أمن المنطقـة واستقرارها».
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن السعوديـة تنظر «بأهميـة كبيرة للعلاقات الاستراتيجيـة مع الولايات المتحدة»، باعتبارها «عاملاً أساسياً فـي تحقيق أمن المنطقـة واستقرارها». وأعرب عـن ثقته بأن «علاقاتنا الاستراتيجيـة مع الولايات المتحدة لن تتأثر بأي حملات إعلاميـة أو مواقف مـن هنا وهناك»، لافتاً إلى أن المملكـة «تسعى دائماً لتوضيح الحقائق والأفكار المغلوطـة لدى بعض الأطراف فـي الولايات المتحدة وغيرها مـن الدول، ونستمع لما يطرح ونستفيد مـن الطرح المنطقي والموضوعي، لكن فـي نهايـة الأمر أولويتنا هي مصالحنا الوطنيـة».
وقال إن السعوديـة دعمت «الجهود كافـة للتوصل إلى حل سياسي للأزمـة اليمنيـة، لكن للأسف ميليشيا الحوثي تقدم أجندة إيران على مصالح اليمن وشعبه». وأضاف: «لا يمكن أن نقبل فـي المملكـة بوجود ميليشيات خارج مؤسسات الدولـة على حدودنا». وأشار إلى أن «هدفنا ليس فقط تحرير اليمن مـن وجود الميليشيات الإيرانيـة، وإنما تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار لكل أبناء اليمن».
ولفت إلى أن بلاده يهمها كثيراً أمن السودان واستقراره، «ليس للأهميـة الاستراتيجيـة لموقعه وخطورة انهيار مؤسسات الدولـة فيه فحسب، ولكن نظراً أيضاً إلى روابط الأخوة الوثيقـة بين الشعبين». ووعد بالاستمرار «في موقفنا الداعم لأشقائنا السودانيين فـي مختلف المجالات حتى يصل السودان إلى ما يستحقه مـن رخاء وازدهار وتقدم».
وفيما يخص الأزمـة السوريـة، قال إن الرياض تعمل مع الدول الصديقـة لتحقيق أهداف؛ بينها «هزيمـة تنظيم داعش، ومنع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابيـة، والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار فـي سوريا، واستخدام الوسائل المتاحـة كافـة لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا».
ووالصف مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي بأنه «جريمـة مؤلمـة جداً». وقال إن المملكـة تسعى «لتحقيق العدالـة والمحاسبـة بشكل كامل» فـي القضيـة، «من دون التفات إلى ما يصدر مـن البعض لأسبابهم الداخليـة التي لا تخفى على أحد». ودعا «أي طرف يسعى لاستغلال القضيـة سياسياً»، إلى «أن يتوقف عـن ذلك ويقدم ما لديه مـن أدلـة للمحكمـة فـي المملكـة بما يسهم فـي تحقيق العدالـة».
وتعهد ولي العهد بالمضي «من دون تردد فـي التصدي بشكل حازم لكل أشكال التطرف والطائفيـة والسياسات الداعمـة لهما»، مشدداً على أن السعوديـة «لن تضيع الوقت فـي معالجات جزئيـة للتطرف، فالتاريخ يثبت عدم جدوى ذلك».
وفي الشأن الاقتصادي، أكد الالتزام «بالطرح الأولي العام لأرامكو السعوديـة، وفق الظروف الملائمـة وفي الوقت المناسب»، لكنه اعتبر أن «تحديد مكان الطرح سابق لأوانه». ولفت إلى استكمال خطوات تمهيديـة عدة استعداداً للطرح.
وأوضح أن «رؤيـة المملكـة 2030 انتقلت مـن مرحلـة التخطيط والتصميم إلى مرحلـة التنفيذ على جميع الأصعدة، وبدأنا نرى النتائج على أرض الواقع». وشدد على أن «ما يحدث فـي المملكـة ليس فقط مجموعـة إصلاحات ماليـة واقتصاديـة لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الكلي هدفه إحداث نقلـة فـي الأداء الاقتصادي والتنموي على المديين المتوسط والطويل».
وأشار إلى أن «برامج رؤيـة المملكـة 2030 تسهم بشكل فعّال فـي عمليـة التحول الاقتصادي... ونحن الآن ننتقل مـن اقتصاد ريعي إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجيـة والتنافسيـة العالميـة». وأوضح أن «رؤيـة المملكـة 2030 والبرامج المنبثقـة منها شأنها شأن أي خطط استراتيجيـة لابد مـن أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات التي تظهر عند التطبيق، مـن دون الإخلال بركائز الرؤيـة ومستهدفاتها».
وأعرب عـن فخره «بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف الكثيرون مـن أن الرؤيـة ستواجه مقاومـة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه». وفيما يلي نص الحوار:
> تشهد المنطقـة فـي الآونـة الأخيرة اضطرابات خطيرة تهدد أمن المنطقـة واستقرارها والعالم أجمع. ما موقف المملكـة تجاه هذه الأحداث؟ وكيف ستتعامل المملكـة مع هذا التصعيد؟
- إن موقف المملكـة واضح كما جاء فـي بيان حكومتها. المملكـة لا تريد حرباً فـي المنطقـة، ولكننا لن نتردد فـي التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيويـة. إن أولويتنا هي مصالحنا الوطنيـة، وتحقيق تطلعات شعبنا مـن خلال أهداف «رؤيـة المملكـة 2030» الاقتصاديـة والاجتماعيـة، والتنميـة والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكـة وفي المنطقـة، لذا ستجد أن دور المملكـة، سواء فـي منطقـة الخليج أو فـي شمال أفريقيا أو فـي منطقـة القرن الأفريقي وغيرها، هو دور داعم للاستقرار والسلام، وهو النهج الذي سارت عليه المملكـة منذ تأسيسها الساعي دوماً لنبذ التفرقـة والطائفيـة والتطرف والحفاظ على وحدة واستقرار المنطقـة والسلم الدولي.
كما أن للمملكـة دوراً مهماً فـي المجتمع الدولي يتمثل فـي جهودها مـن أجل تأمين وصول إمدادات النفط عبر الممرات الحيويـة التي تحيط بها، وذلك فـي سبيل حمايـة استقرار الاقتصاد العالمي. وقد رأى العالم كيف تعاملنا مع الناقلـة الإيرانيـة فـي البحر الأحمر وفق ما تمليه علينا أخلاقياتنا ومبادئنا والمواثيق والأعراف الدوليـة. وبالمقابل نجد النظام الإيراني ووكلاءه الذين قاموا بأعمال تخريبيـة لأربع ناقلات بالقرب مـن ميناء الفجيرة، منها ناقلتان سعوديتان، مما يؤكد النهج الذي يتبعه هذا النظام فـي المنطقـة والعالم أجمع. والدلائل على ذلك كثيرة وواسعـة ومتكررة على مدى سنوات طويلـة.
فلا ننسى أن هذا النظام أعلن للملأ منذ عام 1979 أن أولويته وهدفه الرئيسي تصدير الثورة، ويسعى لذلك على حساب تطلعات شعبه، وعلى حساب شعوب المنطقـة. هذا المحرك يفسّر تصرفات النظام الإيراني، فتصدير الثورة ومبدأ ولايـة الفقيه يتطلبان زعزعـة استقرار الدول والمنطقـة، وإثارة الطائفيـة ونشر التطرف، وتسخير مقدرات الشعب الإيراني لتمويل الميليشيات الإرهابيـة وتسليحها.
ورغم ذلك كانت يد المملكـة دائماً ممدودة للسلام مع إيران، وذلك لتجنيب المنطقـة وشعوبها ويلات الحروب والدمار؛ حتى إن المملكـة أيدت الاتفاق النووي مع إيران لأن المملكـة على مر التاريخ لم تدخر جهداً لحل أي أزمـة واجهتها عبر السبل الدبلوماسيـة والسلميـة، وكنا نأمل فـي أن النظام الإيراني سيستغل هذه المبادرة لتغيير تصرفاته تجاه دول المنطقـة، وأن تكون خطوة أولى نحو عودة إيران إلى المجتمع الدولي كدولـة طبيعيـة. لكن للأسف ما حدث هو أن إيران استغلت العائد الاقتصادي مـن الاتفاق فـي دعم أعمالها العدائيـة فـي المنطقـة، واستمرت فـي انتهاك القرارات الدوليـة، وكان الأولى أن يسخّر النظام الإيراني العوائد الاقتصاديـة مـن الاتفاق لتحسين معيشـة المواطن الإيراني، وتطوير البنيـة التحتيـة، وتحقيق التنميـة الاقتصاديـة، بدلاً مـن المضي فـي دعم آلـة الفوضى والدمار فـي المنطقـة.
وصل التهور بإيران إلى مستويات غير مسبوقـة، فبعد الاتفاق النووي زادت ميزانيـة «الحرس الثوري»، ورفعت مـن وتيرة دعمها للميليشيات الطائفيـة فـي المنطقـة، بل وفي العالم أجمع. وجميعنا رأى الأعمال الإرهابيـة والعدائيـة الإيرانيـة التي أحبطت فـي أوروبا مؤخراً.
لذلك أيدت المملكـة إعادة فرض العقوبات الأميركيـة على إيران، وذلك إيماناً منا بضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفا حازما تجاه إيران، وفي الوقت نفسه اتخاذ الإجراءات اللازمـة للحد مـن قدرة النظام على نشر الفوضى والدمار فـي العالم أجمع.
وما شهدناه مـن أحداث أخيرة فـي المنطقـة، بما فيها استهداف المضخات التابعـة لشركـة «أرامكو» مـن قبل ميليشيا الحوثيين المدعومـة مـن إيران، يؤكد أهميـة مطالبنا للمجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم أمام نظام توسعي يدعم الإرهاب وينشر القتل والدمار على مر العقود الماضيـة، ليس فـي المنطقـة فحسب بل فـي العالم أجمع.
الخيار واضح أمام إيران. هل تريد أن تكون دولـة طبيعيـة لها دور بنّاء فـي المجتمع الدولي، أم تريد أن تبقى دولـة مارقـة؟ نحن نأمل فـي أن يختار النظام الإيراني أن يكون دولـة طبيعيـة وأن يتوقف عـن نهجه العدائي.
> أشرتم سموكم إلى الموقف الأميركي تجاه إيران الذي يتوافق مع موقف المملكـة كما هو الحال فـي أغلب القضايا الاستراتيجيـة. لكن شهدت الآونـة الأخيرة انتقادات للمملكـة مـن أطراف داخل الولايات المتحدة فـي عدد مـن القضايا، خاصـة فيما يتعلق بقضيـة جمال خاشقجي. هل أثرت هذه الانتقادات على التعاون الاستراتيجي بين البلدين؟
- ننظر فـي المملكـة بأهميـة كبيرة للعلاقات الاستراتيجيـة مع الولايات المتحدة، وهي علاقات ممتدة لأكثر مـن سبعين عاماً أسهمت خلالها هذه الشراكـة الاستراتيجيـة عبر التاريخ فـي دحر العديد مـن التحديات التي استهدفت أمن واستقرار وسيادة دولنا. فعلاقتنا بالولايات المتحدة مهمـة ومحوريـة، ليس فقط لتحقيق المصالح المشتركـة بين بلدينا، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني أو غيرها مـن المجالات، ولكنها عامل أساسي فـي تحقيق أمن المنطقـة واستقرارها. فنحن والولايات المتحدة، وبالتعاون مع العديد مـن الدول فـي المنطقـة والعالم نسعى سوياً لتحقيق استقرار مستدام فـي المنطقـة يهيئ البيئة المناسبـة لتحقيق تطلعات شعوب المنطقـة فـي العيش الكريم والتنميـة الحقيقيـة فـي مختلف المجالات، ونقوم بذلك مـن خلال مواجهة قوى الفوضى والدمار وعدم الاستقرار مـن تنظيمات إرهابيـة، وسياسات الدول الراعيـة لها وعلى رأسها النظام الإيراني، والتصدي لكل أشكال التطرف.
أما فيما يتعلق بالحملات الإعلاميـة أو بعض المواقف الصادرة مـن جهات أميركيـة، فهي بالتأكيد لا تخدم الأهداف المشتركـة لبلدينا. لكننا فـي المملكـة عبر تاريخنا، سبق أن واجهنا مثل هذه الحملات التي تتالصف فـي معظمها بالتحيز وعدم الاستناد إلى معلومات دقيقـة. ونسعى دائماً لتوضيح الحقائق والأفكار المغلوطـة لدى بعض الأطراف فـي الولايات المتحدة وغيرها مـن الدول، ونستمع لما يطرح ونستفيد مـن الطرح المنطقي والموضوعي، لكن فـي نهايـة الأمر أولويتنا هي مصالحنا الوطنيـة. أولويتنا هي المواطن فـي الرياض وجدة وجازان وتبوك والدمام وغيرها مـن مناطق المملكـة، وليس ما يراه أو يطرحه آخرون عـن المملكـة. وعلى مر تاريخ المملكـة تمكنا مـن التعايش مع حلفائنا الرئيسيين رغم وجود اختلافات طبيعيـة موجودة بين الدول كافـة، مـن خلال احترامنا لسيادة الدول وعدم التدخل فـي شؤونها الداخليـة، ولا نقبل بأقل مـن المعاملـة بالمثل فيما يتعلق بسيادتنا وشؤوننا الداخليـة. وأنا على ثقـة فـي أن علاقاتنا الاستراتيجيـة مع الولايات المتحدة لن تتأثر بأي حملات إعلاميـة أو مواقف مـن هنا وهناك.
فيما يتعلق بمقتل المواطن جمال خاشقجي، كما سبق أن ذكرت هذه جريمـة مؤلمـة جداً، ولم يسبق حصول مثل هذه الجريمـة فـي تاريخ المملكـة، فمثل هذه الأمور ليست جزءاً مـن ثقافتنا، وتناقض قيمنا ومبادئنا. وقد قمنا فـي المملكـة بالإجراءات اللازمـة، سواء مـن خلال المسار القضائي لمحاسبـة كل المشاركين فـي هذه الجريمـة، أو مـن خلال اتخاذ الإجراءات التنظيميـة لمنع حصول مثل هذه الجريمـة المؤسفـة مستقبلاً. هذه الإجراءات تنبع أولاً وأخيراً مـن حرصنا فـي المملكـة على حياة كل مواطن سعودي أياً كانت مواقفه، وهي إجراءات لم ولن تتأثر بأي عوامل أخرى. فنحن دولـة يسودها القانون ومن غير المقبول التعرض لحياة مواطن بهذا الشكل المؤلم تحت أي ظرف مـن الظروف، وبكل أسف المتهمون بارتكاب الجريمـة هم موظفون حكوميون، ونسعى لتحقيق العدالـة والمحاسبـة بشكل كامل. وعلى أي طرف يسعى لاستغلال القضيـة سياسياً، أن يتوقف عـن ذلك ويقدم ما لديه مـن أدلـة للمحكمـة فـي المملكـة بما يساهم فـي تحقيق العدالـة.
> هل هذا التوافق فـي الرؤيـة مع الجانب الأميركي حيال إيران ينطبق على الوضع فـي سوريا، خصوصاً فـي ضوء القرار الأميركي بالانسحاب مـن سوريا؟
- يوجد اتفاق حيال الأهداف فـي سوريا، وهي هزيمـة تنظيم «داعش»، ومنع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابيـة، والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار فـي سوريا، واستخدام الوسائل المتاحـة كافـة لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا، ونعمل مع الدول الصديقـة لتحقيق هذه الأهداف.
> كيف تنظرون سموكم لزيارة رئيس الوزراء الياباني مؤخراً لإيران والتقائه بالمرشد الأعلى الإيراني؟
- نشكر رئيس الوزراء الياباني على نياته الطيبـة، ويد المملكـة دائماً ممدودة بالسلام بما يحقق أمن المنطقـة واستقرارها. إلا أن النظام الإيراني لم يحترم وجود رئيس الوزراء الياباني ضيفاً فـي طهران، وقام أثناء وجوده بالرد عملياً على جهوده، وذلك بالهجوم على ناقلتين إحداهما عائدة لليابان، كما قام عبر ميليشياته بالهجوم الآثم على مطار أبها، ما يدل بشكل واضح على نهج النظام الإيراني ونياته التي تستهدف أمن المنطقـة واستقرارها، فإيران هي الطرف الذي يصعّد دائماً فـي المنطقـة، ويقوم بالهجمات الإرهابيـة والاعتداءات الآثمـة بشكل مباشر أو عبر الميليشيات التابعـة. المشكلـة فـي طهران وليست فـي أي مكان آخر، وكما ذكرت، على إيران الاختيار إما أن تكون دولـة طبيعيـة لها دور بناء فـي المجتمع الدولي أو أن تبقى دولـة مارقـة وتتحمل عواقب هذا الأمر دولياً.
> تصاعدت فـي الفترة الأخيرة وتيرة تصريحات الرئيس التركي وغيره مـن المسؤولين الأتراك التي تشكك فـي القضاء بالمملكـة وتتهم المملكـة وقيادتها فـي قضيـة خاشقجي... كيف تردون على هذه الاتهامات؟
- جمال خاشقجي هو مواطن سعودي، ولا شك أن ما تعرض له أمر مؤلم ومؤسف، ولقد اتخذنا فـي المملكـة الإجراءات كافـة لمحاسبـة المسؤولين عـن هذه الجريمـة، وتمت إحالـة المتهمين إلى القضاء. والقضاء فـي المملكـة سلطـة مستقلـة ليس لأحد التدخل فيها، ونحن نواجه أي حدث بحزم ومن دون تردد، وباتخاذ الخطوات الكفيلـة بتحقيق العدالـة وإصلاح مكامن الخلل ومنع تكرار الأخطاء مـن دون أن نلتفت لأي مزاعم واتهامات مـن هنا أو هناك.
وفيما يتعلق بتصريحات بعض المسؤولين الأتراك تجاه المملكـة، فالمملكـة بوصفها حاضنـة الحرمين الشريفين تسعى لأن تكون علاقاتها قويـة مع كل الدول الإسلاميـة، بما فيها تركيا، وهذا أمر مهم لمصلحـة المنطقـة بشكل عام والعمل الإسلامي المشترك بشكل خاص. ونحن فـي المملكـة نعمل على خدمـة الحرمين الشريفين وقاصديهما وتحقيق أمن واستقرار وطننا ورخاء شعبنا، وليس الدخول فـي مناكفات تضر مصالح وطننا والعالم الإسلامي. ونحن ماضون فـي تحقيق هذه الأهداف مـن دون التفات لما يصدر مـن البعض لأسبابهم الداخليـة التي لا تخفى على أحد.
> مرت أربعـة أعوام على بدء عمليات التحالف فـي اليمن. كيف تنظرون إلى ما تحقق مـن تقدم على الصعيدين السياسي والعسكري... وما فرص إنهاء الأزمـة اليمنيـة، خصوصاً بعد التوصل إلى اتفاقات استوكهولم، وبعد الهجوم الإرهابي الذي نفذته ميليشيا الحوثي على المضخات النفطيـة فـي المملكـة ومطاري نجران وأبها؟
- ينسى كثيرون، أو يتناسون، كيف بدأت الأزمـة فـي اليمن. عمليات التحالف بدأت بعد أن استنفد المجتمع الدولي كل الحلول السياسيـة بين الأطراف اليمنيـة والميليشيا الحوثيـة. ولابد مـن التذكير هنا بأن المملكـة هي رائدة الحل السياسي، وهي التي قدمت المبادرة الخليجيـة وعملت على تحقيق انتقال سياسي سلمي فـي اليمن فـي عام 2011، ودعمت الحوار الوطني، وقدمت أكثر مـن 7 مليارات دولار دعماً اقتصادياً وتنموياً لليمن بين أعوام 2012 و2014. وكانت جهود المملكـة منذ عام 2011 تهدف إلى تحقيق انتقال سياسي سلس فـي اليمن بما يحافظ على استقلال اليمن وسيادته وتماسك مؤسساته السياسيـة والأمنيـة، منعاً لدخوله فـي حالـة الفوضى. وبالفعل وقعت الأطراف اليمنيـة فـي الرياض على المبادرة الخليجيـة وآليتها التنفيذيـة. واشتركت كل الأطراف اليمنيـة، بما فـي ذلك الحوثيون، فـي الحوار الوطني اليمني الشامل. وبكل أسف قامت إيران مـن خلال الميليشيات التابعـة لها بتعطيل المسار السياسي فـي اليمن، والبدء باحتلال المدن اليمنيـة والاستيلاء على مقدرات الدولـة اليمنيـة، وقد أعطت المملكـة كل الفرص لمعالجـة الوضع بشكل سلمي، لكن إيران كانت تراهن على سياسـة فرض أمر واقع عبر السلاح فـي الدول العربيـة، وللأسف لم يتصد المجتمع الدولي آنذاك لنهج إيران التوسعي والطائفي، ولذلك استمرت عبر ميليشياتها فـي محاولـة بسط سيطرتها على اليمن. لكن الشعب اليمني وقف هو وقيادته موقفاً تاريخياً أمام هذا التدخل الإيراني، ولم نتأخر مع أشقائنا دول التحالف فـي المسارعـة إلى الاستجابـة للحكومـة الشرعيـة لحمايـة اليمن وشعبه، وحمايـة أمننا الوطني، فلا يمكن أن نقبل فـي المملكـة بوجود ميليشيات خارج مؤسسات الدولـة على حدودنا.
ولله الحمد تم تحرير معظم أراضي اليمن، وقد دعمنا الجهود كافـة للتوصل إلى حل سياسي للأزمـة اليمنيـة. ولكن للأسف، ميليشيا الحوثي تقدم أجندة إيران على مصالح اليمن وشعبه الكريم، ورأينا مؤخراً الهجوم الحوثي الإرهابي الآثم على المنشآت النفطيـة ومطار نجران، وتبجح القيادات الحوثيـة فـي تبنيه، وهو أمر يثبت مرة أخرى أن هذه الميليشيا لا تأبه بمصالح الشعب اليمني، وبأي مسار سياسي لحل الأزمـة اليمنيـة. أفعالهم تعكس أولويات طهران واحتياجاتها، وليس صنعاء.
موقفنا فـي التحالف فيما يتعلق بإنهاء الأزمـة اليمنيـة واضح جداً، فنحن نؤيد جهود التوصل لحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجيـة وآليتها التنفيذيـة ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ونقبل مشاركـة الأطراف اليمنيـة كافـة فـي العمليـة السياسيـة، ولكن وفق ما نصت عليه المرجعيات الثلاث. فلن تقبل المملكـة استمرار الميليشيات وبقاءها خارج مؤسسات الدولـة، وسعياً لتحقيق هذا الهدف النهائي، سنواصل عملياتنا ودعمنا للشعب اليمني فـي سعيه لحمايـة استقلاله وسيادته مهما كانت التضحيات. وفي الوقت نفسه ستواصل المملكـة عملها على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، وفي مجال إعادة إعمار المناطق المحررة، فهدفنا ليس فقط تحرير اليمن مـن وجود الميليشيات الإيرانيـة، وإنما تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار لكل أبناء اليمن.
> تحدثتم سمو الأمير عـن حلم تحويل منطقـة الشرق الأوسط لأوروبا جديدة. كيف ستواجهون عوائق تحقيق هذا الحلم فـي ظل ما يواجه المنطقـة مـن اضطرابات سياسيـة كبيرة، وتحديات اقتصاديـة وتنمويـة؟
- يجب ألا نكون أسرى لأوضاع راهنـة مؤقتة تمنعنا مـن العمل على تحقيق واجبنا الأول بصفتنا قادة فـي المنطقـة، وهو النهوض بدولنا. ويجب ألا تشغلنا تحديات اليوم عـن العمل بشكل حثيث لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمـة.
تحدثت فـي سؤالك عـن الاضطرابات السياسيـة، وهو أمر - ولا شك - يحدث فـي المنطقـة، ولكن فـي الوقت نفسه فلننظر إلى المنطقـة العربيـة حيث يوجد إجماع بين الغالبيـة العظمى لدولنا على أولويـة العيش الكريم للمواطن، وتحقيق أمن واستقرار أوطاننا. لا تريد شعوبنا أن تكون أسيرة لنزاعات آيديولوجيـة تهدر فيها مقدراتها. واليوم وبشكل غير مسبوق أصبح هدف الجميع واحدا، وبات التنافس بين معظم دولنا على تحقيق أفضل معايير الحياة للمواطن، وجذب الاستثمارات وتحقيق التنميـة فـي المجالات كافـة. أما الاضطرابات السياسيـة فمصدرها معروف وهو التنظيمات الإرهابيـة مثل «داعش»، و«القاعدة»، و«الإخوان المسلمين»، وسياسات النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب والتطرف. ولن نضيع الوقت فـي معالجات جزئيـة للتطرف، فالتاريخ يثبت عدم جدوى ذلك. ونحن ماضون بإذن الله، مـن دون تردد، فـي نهجنا بالتصدي بشكل حازم لكل أشكال التطرف والطائفيـة والسياسات الداعمـة لها.
المملكـة هي قبلـة المسلمين وبلد الحرمين الشريفين، حباها الله بالثروات الطبيعيـة، والموقع الاستراتيجي، وبقيادات حكيمـة منذ عهد الملك المؤسس، طيب الله ثراه، إلى العهد الميمون لمولاي خادم الحرمين الشريفين، وبشعب جبار مبدع ومبادر. والحمد لله تنعم بلادنا اليوم بالأمن والاستقرار والرخاء، ولا يليق أن يكون هذا البلد العظيم إلا فـي موقع الصدارة فـي كل المجالات مهما كانت الظروف والتحديات. لن يهدأ لنا بال حتى نحقق هذا الهدف لوطننا أولاً ثم لأشقائنا فـي المنطقـة.
> كيف ينظر سموكم إلى ما يشهده السودان مـن اضطرابات وتحولات سياسيـة؟
- يهمنا كثيراً أمن السودان واستقراره، ليس للأهميـة الاستراتيجيـة لموقعه وخطورة انهيار مؤسسات الدولـة فيه فحسب، ولكن نظراً أيضاً إلى روابط الأخوة الوثيقـة بين الشعبين. لقد كان إخواننا وأخواتنا مـن السودان - ولا يزالون - جزءاً مـن نسيجنا الاجتماعي، أسهموا مساهمات مشهودة فـي مسيرتنا فـي مختلف المجالات. ولن ندخر جهداً فـي المملكـة لتحقيق الاستقرار والأمن للسودان وشعبه الكريم. لقد عبرنا فـي المملكـة عما تم اتخاذه مـن إجراءات تصب فـي مصلحـة الشعب السوداني، وقدمنا كجزء مـن واجبنا تجاه الأشقاء فـي السودان، حزمـة مـن المساعدات الاقتصاديـة، إضافـة إلى إيداع مبلغ 250 مليون دولار فـي البنك المركزي السوداني. سنستمر فـي موقفنا الداعم لأشقائنا فـي مختلف المجالات حتى يصل السودان لما يستحقه مـن رخاء وازدهار وتقدم.
> بعد ثلاث سنوات مـن إطلاق «الرؤيـة»... إلى أين وصلنا؟
- انتقلنا مـن مرحلـة التخطيط والتصميم إلى مرحلـة التنفيذ على جميع الأصعدة، وبدأنا نرى النتائج على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بتطوير القطاع المالي، شهدت السوق الماليـة تطوراً ملحوظاً، حيث انضمت السوق بعد إطلاق «الرؤيـة» إلى ثلاثـة مؤشرات عالميـة؛ هي مؤشرات «فوتسي»، ومؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة، ومؤشر «ستاندرد آند بورز داو جونز»، مما سينتج عنه تدفق رؤوس الأموال بمليارات الريالات إلى السوق، وزاد المستثمرون فـي الصناديق الاستثماريـة بنسبـة 40 فـي المائة، وهي الزيادة الأولى منذ عام 2006. وحققت المملكـة مؤخراً أكبر تقدّم بين الدول الأكثر تنافسيـة فـي تقرير الكتاب السنوي للتنافسيـة العالميـة 2019IMD، الصادر مـن مركز التنافسيـة العالمي التابع للمعهد الدولي للتنميـة الإداريـة، وحصلت على المرتبـة 26 مُتقدّمـةً بـ13 مرتبـة عـن العام الماضي، لتحتل المرتبـة السابعـة بين مجموعـة دول العشرين.
وفي قطاع الاتصالات والمعلومات شهدنا تطوراً ملحوظاً، حيث ارتفعت مساهمـة الاقتصاد الرقمي فـي الناتج المحلي بشكل مباشر وغير مباشر، كما أصبحت المملكـة مـن أعلى 10 دول نمواً فـي مجال التجارة الإلكترونيـة فـي العالم بنسبـة 32 فـي المائة. وفي الوقت نفسه كذلك تحسنت سرعات الإنترنت أربعـة أضعاف لتسريع التحول الرقمي. وتعد المملكـة أيضاً أول دولـة فـي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أطلقت خدمات الجيل الخامس 5G عام 2018 فـي المنطقـة الشرقيـة بشكل تجريبي، ولدينا إلى اليوم 1000 برج اتصال على مستوى المملكـة تقدم هذه الخدمـة الجديدة، والعمل جارٍ على التوسع فيها.
أما فـي مجال الطاقـة والصناعـة، فقد ارتفعت الصادرات غير النفطيـة بنسبـة 22 فـي المائة فـي عام 2018 مقارنـة بعام 2017، وأطلقنا العديد مـن المدن الصناعيـة فـي مختلف المناطق بالمملكـة، مما يؤكد حرص حكومـة خادم الحرمين الشريفين على التنميـة المتوازنـة والشاملـة لمختلف المدن والمناطق، ومنها سبارك وجازان ووعد الشمال، التي أنجزت المرحلـة الأولى مـن مشروعات إنتاج الفوسفات والأسمدة الفوسفاتيـة، ووضع حجر الأساس للمرحلـة الثانيـة منها، التي ستجعل المملكـة بإذن الله الثاني أكبر دولـة منتجـة للأسمدة الفوسفاتيـة فـي العالم.
وأود التذكير بأن ما يحدث فـي المملكـة ليس فقط مجموعـة إصلاحات ماليـة واقتصاديـة لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الكلي للمملكـة هدفه إحداث نقلـة فـي الأداء الاقتصادي والتنموي على المديين المتوسط والطويل. لقد قمنا بإصلاحات اقتصاديـة وهيكليـة كبيرة تسهم فـي تحقيق التوازن المالي، وضبط الماليـة العامـة، وتنويع مصادر الدخل مع المحافظـة على استمراريـة نمو الاقتصاد الكلي، واستدامـة الماليـة العامـة، ودعم الإنفاق الاجتماعي، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحفيز القطاع الخاص الذي يمثل الشريك الرئيسي فـي النمو والتنميـة وتحقيق مستهدفات «الرؤيـة».
> ولكن هناك مـن يتحدث عـن بعض التراجعات فـي بعض المبادرات المتعلقـة بـ«الرؤيـة»؟
- ما يحدث فـي المملكـة تغيير هيكلي شامل للاقتصاد هدفه إحداث نقلـة فـي الأداء الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل، و«رؤيـة المملكـة 2030» والبرامج المنبثقـة منها شأنها شأن أي خطط استراتيجيـة لابد مـن أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات التي تظهر عند التطبيق، دون الإخلال بركائز ومستهدفات «الرؤيـة»، وتحقيق أفضل النتائج، خاصـة فـي وقت أصبحت لدينا جودة أعلى فـي اتخاذ القرارات المبنيـة على الدراسات والتحليلات والأرقام والحقائق والبيانات.
وإجابـة عـن سؤالك حول أن بعض المبادرات المتعلقـة بـ«الرؤيـة» قد تتراجع: لا نتوقع ذلك، فبرامج «الرؤيـة» تساهم بشكل فعال فـي عمليـة التحول الاقتصادي، فنحن الآن ننتقل مـن اقتصاد ريعي إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجيـة والتنافسيـة العالميـة.
> قد يقول البعض إن صندوق الاستثمارات العامـة يزاحم القطاع الخاص مـن خلال استثماراته المباشرة ومشاريعه العملاقـة والضخمـة، ما دوره فـي تحقيق «الرؤيـة» وكيف يمكن تفادي أي آثار سلبيـة؟
- تماشياً مع «رؤيـة 2030» ولتحقيق أهدافها، كان مـن المهم إعادة النظر فـي دور صندوق الاستثمارات العامـة وإعادة هيكلته ليصبح الصندوق الاستثماري السيادي للدولـة، فقمنا بالعمل فـي عام 2015 على إعادة إطلاق الصندوق برؤيـة ورسالـة جديدتين، مستهدفاً تطوير القطاعات الجديدة بالمملكـة العربيـة السعوديـة والاستثمار فـي شراكات دوليـة رائدة، وإعادة تشكيل مجلس إدارة جديد تحت قيادتي. وخلال السنوات مـن 2016 إلى 2018، ارتفع عدد الموظفين مـن 40 موظفاً إلى ما يقارب 500 موظف. كما ارتفعت أصول الصندوق مما يقارب 500 مليار ريال إلى ما يقارب تريليون ريال، ويمثل ذلك الارتفاع حوالي الضعف خلال سنتين.
ويعتبر الصندوق حالياً أداة مهمـة جداً مـن أدوات الدولـة للتنويع الاقتصادي، ويستهدف الاستثمار المحلي والدولي. وفي الاستثمارات المحليـة يستهدف الاستثمارات التي لا يستطيع القطاع الخاص وحده الاستثمار فيها، وسيطرح مـن خلال المشاريع الكبرى مثل نيوم والبحر الأحمر والقديـة عشرات، إن لم يكن مئات، الفرص الاستثماريـة ذات العوائد الجيدة للقطاع الخاص. وكذلك مـن المهم جداً لدى صندوق الاستثمارات العامـة ولدى الحكومـة مشاركـة القطاع الخاص، وخصصنا مـن برامج تحقيق «الرؤيـة» الثلاثـة عشـر برنامجاً للتخصيص، لإعطاء القطاع الخاص فرصـة أكبر للمشاركـة فـي الاستثمار ولتحقيق عوائد مجزيـة ورفع كفاءة الإنفاق وتحسين الخدمات.
أما مـن ناحيـة الاستثمارات الخارجيـة، بالإضافـة لتحقيق عوائد مجزيـة لأصوله، فسيلعب صندوق الاستثمارات العامـة دوراً مهماً فـي تأسيس شراكات اقتصاديـة تساعد فـي نقل المعرفـة وتحفيز الاستثمارات ذات الكفاءة العاليـة وتعزيز المحتوى المحلي، لتكون لها عوائد على المدى البعيد تستفيد منها الأجيال القادمـة. كما يستهدف الصندوق قطاعات استراتيجيـة جديدة مثل السياحـة والترفيه. وهذه قطاعات لها بعد مهم فـي تحفيز الاستثمار الأجنبي والتنميـة المناطقيـة، وخلق عدد كبير مـن الوظائف مما يحسن مـن جودة الحياة.
هذا؛ ويؤدي الصندوق أعماله مـن خلال مستوى حوكمـة عالٍ واستراتيجيـة استثماريـة شفافـة، أقرت بعد الانتهاء مـن عمليـة إصلاح وحوكمـة الصندوق فـي عام 2015، حيث يعمل الصندوق ضمن منظومـة تشمل مجلس إدارة ولجنـة تنفيذيـة ولجنـة للاستثمار تقوم بأدوار واضحـة تساعد على ضمان أداء الأعمال بصورة مهنيـة عاليـة، كما توجد لدى الصندوق محافظ استثماريـة موزعـة حسب الأولويات التنمويـة، مثل محفظـة الصندوق فـي الشركات السعوديـة، ومحفظـة الاستثمارات الهادفـة لتطوير القطاعات الواعدة، ومحفظـة المشاريع الكبرى.
> تحدثتم سمو الأمير عـن برنامج التخصيص... ما آخر التطورات؟
- لدينا الآن مركز متميز وعالمي للتخصيص بُني على أفضل الممارسات مستفيداً مـن خبرات أكثر مـن 20 دولـة قامت بالتخصيص فـي الماضي. وقد رُوعي فـي إنشاء المركز احتواؤه على بنيـة تشريعيـة تضمن حق الدولـة والمستثمر. وقد حددنا فرصاً واعدة للتخصيص فـي 12 قطاعاً. وهدفنا أن يعزز هذا البرنامج دور الحكومـة الفاعلـة، إضافـة إلى تعظيم مساهمـة القطاع الخاص فـي الناتج المحلي.
ودعم المركز الوطني للتخصيص خلال عام 2019 توقيع خمس اتفاقيات بقيمـة إجماليـة تتجاوز 12.5 مليار ريال. مـن خلال شركات محليـة ودوليـة فـي مجالات مختلفـة بتمويل أجنبي مـن ست دول بنسبـة تمويل تبلغ حوالي 70 فـي المائة. وتشمل هذه الاتفاقيات مشاريع لمعالجـة الصرف الصحي وتحليـة المياه والخدمات الصحيـة مـن خلال مراكز الغسيل الكلوي.
كما يقوم المركز حالياً بالعمل على إنهاء اتفاقيات تتجاوز قيمتها ملياري ريال فـي مجالات عدة تشمل مطاحن الدقيق والخدمات الطبيـة وخدمات الشحن. ومن المتوقع الانتهاء مـن هذه الاتفاقيات قبل نهايـة عام 2019. ويجري العمل على تخصيص مشاريع خاصـة بالتعليم خلال عام 2020 باستثمارات تبلغ حوالي مليار ريال.
كما سيكون القطاع الخاص هو المستثمر الأكبر فـي قطاع الكهرباء، وفي المستقبل، خاصـة مشاريع التوليد، ومن ذلك مشاريع الطاقـة المتجددة الكبرى التي أعلنّا عنها.
> فـي خضم هذا التحول الاقتصادي، ما رسالـة سموكم للمواطنين؟
- أنا فخور بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف كثيرون مـن أن «الرؤيـة» ستواجه مقاومـة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه. كان كثيرون يقولون لي إن أصعب ما سأواجهه فـي التحول الاستراتيجي هو المقاومـة، ولكني رأيت أن هذا العامل ضئيل جداً فـي الشباب السعودي الذي صار يتسابق أمامي ويقود التغيير. وأود الإشادة بدور الشباب مطعماً بالخبرات فـي الحراك الذي تعيشه المملكـة. إنها رؤيـة شابـة، روحها شابـة.
كما تحول النقاش مـن التغيير الذي نريده مـن الدولـة إلى التغيير الذي نصنعه جميعاً.
> نتابع موضوع طرح «أرامكو السعوديـة» فـي الأسواق العالميـة، لكن هناك شح فـي المعلومات عـن الطرح وتوقيته. إلى أين وصل الموضوع؟ وما الإجراءات التي تمت فـي هذا الشأن؟
- نحن ملتزمون بالطرح الأولي العام لـ«أرامكو السعوديـة»، وفق الظروف الملائمـة، وفي الوقت المناسب. وكما ذكرت سابقاً أتوقع أن يكون ذلك بين عام 2020 وبدايـة عام 2021 بإذن الله، وتحديد مكان الطرح سابق لأوانه. وقد تم إنجاز كثير مـن العمل بنجاح فـي هذا الصدد، والإطار الزمني للطرح سيعتمد على عوامل عدة منها: مناسبـة أوضاع السوق لتنفيذ عمليـة الطرح نظراً لضخامـة الطرح الأولي العام لـ«أرامكو السعوديـة»، وكذلك عمليـة استحواذ «أرامكو» على حصـة صندوق الاستثمارات فـي «سابك»، وهذه الصفقـة، بما ستحدثه مـن تحول شامل، ستؤدي إلى إيجاد شركـة طاقـة وبتروكيميائيات وطنيـة عملاقـة متكاملـة تقود قطاع الطاقـة العالمي وتعزز بدرجـة أكبر إمكانات النمو فـي «أرامكو السعوديـة» وربحيتها فـي تقلبات أسواق البترول المعتادة.
وفي إطار الاستعدادات للطرح الأولي العام لـ«أرامكو السعوديـة»، تم اتخاذ إجراءات مهمـة عدة، مـن بينها إصدار نظام ضريبـة المواد الهيدروكربونيـة، وإعادة إصدار اتفاقيـة امتياز حصريـة، وتعيين مجلس إدارة جديد للشركـة، بالإضافـة إلى التدقيق المستقل فـي احتياطيات المملكـة البتروليـة وإعلانها رسميا للمرة الأولى، وكذلك قوائمها الماليـة المدققـة. وهذا كله يعزز مبدأ الشفافيـة، أحد المبادئ الأساسيـة فـي «رؤيـة المملكـة 2030» مـن أجل حمايـة مصالحها ومصالح المستثمرين المحتملين.
وبدورها حققت «أرامكو السعوديـة» إنجازات عدة ضمن برنامجها الداخلي الهادف للاستعداد للطرح الأولي العام. ومن أهم ما شمله ذلك البرنامج تعديل نظامها ولائحتها الداخليـة، والتحول إلى شركـة مساهمـة، ومواءمـة قوائمها وتقاريرها الماليـة الداخليـة لقطاعات الأعمال الرئيسيـة لتتوافق مع متطلبات الأسواق الماليـة المحتملـة للطرح. وقد نال ذلك رضا المستثمرين حول العالم كما رأينا مـن خلال عمليـة طرح السندات غير المسبوقـة التي تمت مؤخراً.